الجمعة، 29 يناير 2016

العلامة المجلسي

العلامة المجلسي

الولادة

لقد ولد محمد الباقر بن محمد التقى بن مقصود على المجلسى المعروف بالعلامة المجلسى اوالمجلسى الثانى سنة 1037 هجرية فى مدينة اصفهان.

الاسرة

إن اسرة العلامة المجلسى تعتبر من اشرف الاسر الشيعية فى القرون الاخيرة حيث نشاهد فى هذه العائلة مئة عالم ورع وكبير تقريباً" و لا نرى لدى أقربائه سوى العلم والفضل: 

1- إن جد العلامة كان عالماً" وحافظا" كبيرا"، ابو نعيم اصفهانى صاحب كتب مثل (تأريخ اصفهان) و (حلية الاولياء).

2- إن والد العلامة هو المولى محمد تقى مجلسى المعروف بالمجلسى الأول (1003 ـ 1070 هجرية) صاحب كرامات وفضائل معنوية وروحية. و هو محدث و فقيه كبير حيث ألف ايضا" كتبا" كثيرة. ان محمد تقى المجلسى كان تلميذ الشيخ البهائى و ميرداماد و كان متبحراً" فى العلوم الاسلامية المختلفة حيث كان يتولى فى زمانه مرجعية التقليد. اضافة الى مرجعيته فقد كان يقيم صلاة الجمعة والجماعة وكان امام جمعة اصفهان. إن من تلامذته: العلامة المجلسى (حيث استفاد من والده كثيراً")، و آقا حسين خوانسارى وملا صالح مازندرانى.

3- كان للعلامة أخوان حيث كانا رجلين متقيين و زاهدين اسمهما ملا عزيز الله و ملا عبدالله إذ توجها الى الهند وسكنا هنالك للتبليغ ولنشر علوم اهل البيت عليهم السلام.

4- إن أسرة العلامة المجلسى لم تقدم رجالا" علماء ومفكرين الى المجتمع فحسب بل ان نساء هذه الاسرة قدمن خدمات جليلة جنبا" الى جنب الرجال. كان للعلامة أربع أخوات إذ أن كل واحدة منهن لديها تأليفات وبحوث قيمة فى العلوم الاسلامية ومنها: شرح الكافى، المشتركات فى الرجال، شرح شرائع الاسلام، شرح مطالع وشرح قصيدة دعبل الخزاعى. إن أزواج تلك النساء ايضا" كانوا علماء كبارا" ايضا" من أمثال: ملا صالح مازندرانى، ملا ميرزاى شيروانى، ملا على استرآبادى و ميرزا محمد فسائى.

5- ان العلامة المجلسى كان لديه خمسة أولاد نهلوا من علوم و معارف أبيهم واحتلوا مكانة مرموقة. 

6- إن أصهار العلامة كانوا خمسة من أفاضل تلك الفترة حيث كان العلامة يزوج بناته بمعاييره الخاصة. وكانت هنالك اسر كبيرة ومعروفة من علماء ذلك العصر اقامت علاقات مع العلامة المجلسى مثل: وحيد بهبهانى، بحرالعلوم، طباطبائى بروجرى، ميرزا عبدالله افندى صاحب رياض العلماء، الشهرستانى و … إن منزلة العلامة العلمية كانت الى حد مشهورة فى العلوم الاسلامية المختلفة بحيث لاتحتاج الى اي شرح وتوضيح. ان اسم المجلسى كشمس تسطع فى سماء الفقاهة والاجتهاد حيث كان يتمتع بشمولية خاصة. 

لقد كان من فطاحل عصره فى العلوم الاسلامية المختلفة كالتفسير والحديث والفقه والاصول والتأريخ والرجال. إن نظرة اجمالية الى مجموعة (بحار الأنوار) العظيمة تؤكد ذلك بشكل جلى. اضافة الى هذه العلوم فان العلوم العقلية ايضا" كالفلسفة والمنطق والرياضيات والأدب واللغات والجغرافيا والطب والنجوم والعلوم الغريبة؛ جعلت منه شخصية فذة و فريدة. إن نظرة خاطفة الى (كتاب السماء والعالم) فى بحار الأنوار تجسد هذه الشمولية بشكل جيد. لقد اعتبر البعض العلامة بأنه لامثيل له طيلة التأريخ الاسلامى من حيث الشمولية فى العلوم والفنون المختلفة. انه كان يحظى بدقة كبيرة بالنسبة للروايات حيث أن شروح العلامة على هامش الروايات وآيات القرآن كانت دقيقة وجملية جدا" إذ نادرا" ما نجد فيها أخطاء.

اضافة الى علوم روايات اهل البيت عليهم السلام، كان العلامة المجلسى متبحرا" كبيراً" فى الفقه ايضا".

الشخصية المعنوية:
إن رجال الدين لايتلقون دروس العلم والمعرفة فقط من اساتذتهم، بل يكسبون ايضاً" النهج والسلوك المعنويين من هؤلاء الاساتذة العرفاء بالله. إن العلامة المجلسى اجتاز بسرعة الدرجات المعنوية والكمالات الروحية بعد اجتيازه الدرجات العلمية حيث يمكن نعته (العالم الربانى). 

يتضح هذا الادعاء من خلال التفحص فى سجاياه الاخلاقية وخصائصه التى نشير كما يلى الى ابرزها:

1ـ ذكر الله:إن تلميذ المجلسى (نعمت الله جزائرى) يقول حول استاذه: لم يغفل العلامة أبدا" عن ذكر الله حيث كان يؤدى كل اعماله بقصد القربة الى الله تعالى.

2ـ الزيارات:كان العلامة يعير اهتماما" كبيرا" الى (زيارة) ائمة الهدى عليهم السلام. وعلى رغم الصعوبات فى ذلك الوقت والامكانيات البسيطة جدا"، فقد تشرف بزيارة الائمة فى العراق والبقيع ومشهد المقدس حيث كان يقيم مدة طويلة فى جوارهم فى كل سفر و قد تشرف ايضا" بأداء مناسك الحج لبيت الله الحرام عدة مرات.

3- التوسل:ان الاهتمام الخاص بالتوسل بالمعصومين عليهم السلام أدى الى أن العلامة المجلسى أدرج مواضيع كثيرة حول الأدعية والزيارات فى كتاب (بحار الأنوار) حيث ألف عدة كتب منفصلة ايضاً" فى موضوع الأدعية والزيارات منها: (زاد المعاد) و هو مصدر مهم فى كتب الادعية الأخيرة و (تحفة الزائر) وترجمات من زيارة (جامعة كبيرة) و (دعاء السمات) و …

4- الزهد والتقوى:إن ابرز الصفات المهمة فى حياة هذا الرجل الكبير هو زهده و تقواه وبساطة معيشته حيث كان العلامة يعيش فى العصر الصفوى و كان شيخ الاسلام فى هذه الحكومة. وباختصار كانت كافة امكانيات الحكومة تحت تصرفه، ولكن مع كل ذلك كانت حياته الشخصية بسيطة يلفها الزهد.

5- التواضع:إن التواضع هى احدى مميزات العلامة المجلسى حيث لم يكن ينظر الى المنصب الاجتماعى علواً" و دنوا" أو أعمار الناس. لقد نقل مواضيع كثيرة فى كتاب بحار الأنوار عن السيد على خان مدنى الشارح الفاضل للصحيفة السجادية. هذا علما" بان السيد على خان 15 سنة أصغر من العلامة و كان أقل مكانة ومنزلة اجتماعية منه. لقد اجتمعت كل هذه الخصال الروحية والكمالات المعنوية مع علمه ومعرفته الوفيرين لدى العلامة مما جعلت منه شخصية عالية يصعب العثور على مثيله فى التاريخ.

الاوضاع السياسية:
إن علماء الشيعة الكبار رغم وجود الضغوط والحرمان والاضطهاد الكثير طيلة التأريخ: بذلوا جهودا" مضنية وقيمة وتركوا لنا تأليفات غنية: لقد قاموا بارواء شجرة التشيع بصبرهم وجهودهم الكبيرة وأوصلوا تراث النبى العظيم (ص) هذا إلينا. وخلال ذلك كلما تحسنت الظروف نسبيا" آنذاك وقلت الضغوط على الشيعة، نشاهد ازدهارا" لامثيل له فى ظهور فقهاء وعلماء وفلاسفة شيعة. ومن هذه الفترات، عصر الشيخ المفيد والشيخ الطوسى اثناء حكم آل بويه. وكذلك خلال العهد الصفوى وزمن العلامة المجلسى.

إن العلامة المجلسى نظرا" لانتساب الملوك الصفويين الى التشيع وأنهم يعتبرون انفسهم منحدرين من الائمة الاطهار عليهم السلام، قد استفاد من جوانب شتى. إن تأليف أكبر موسوعة لأحاديث الشيعة كانت تبدو صعبة فى غير هذه الفترة مع عدم امكانيات اقتصادية كبيرة.

الفترة الزمنية:
لقد ولد العلامة المجلٍسى فى زمن شاه عباس الاول الذى كان رجلا" يتمتع بالسياسة والكفاية وكان فى نفس الوقت رجلاً" قسى القلب وظالما". عند ما جاء شاه صفى بعده الى السلطة، انفصل العراق من الدولة الايرانية. وبعد شاه صفى وصل شاه عباس الثانى الى السلطة إذ كان عمره تسع سنوات حيث طلب العلامة منه فى مراسم التتويج أن يمنع شرب الخمر وبيعه وبعض الاعمال المنكرة. وقد نفذ وطبق توصيات العلامة، ولكن بالتدريج انغمس هو ايضا" كبقية الملوك فى شرب الخمر.

المكانة الاجتماعية:
كان العلامة المجلٌسى يحظى بنفوذ كبير بين الناس حيث استطاع ان يوجه الناس من الخمارات والمقاهى نحو المساجد بعلمه الغزير ونفوذه المعنوى وبيانه الساحر وقد تميزت المساجد فى عهده بازدهار كبير. وخاصة فى شهر رمضان المبارك وليالى القدر حيث كانت المساجد تكتظ بكثافة. وكان للعلامة ايضاً" نفوذ واسع بين السلاطين الصفويين. لقد كان سياسيا" مقتدرا" وقد حفظ البلد من هجوم واعتداء الأعداد بتدبيره اثناء حكم السلاطين الغير أكفاء. لقد عمت الفوَضى فى البلد بالضبط بعد وفاة العلامة المجلسى إذ هجم الأفغان على ايران وأسقطوا الحكم الصفوى. لقد استنسخ كثيرا" من المخطوطات النادرة وكتب القدماء فأنقذ الثرات الشيعى العظيم من الضياع.

سلوكه العلمى
كان للعلامة المجلسى اسلوبا" معتدلا" بين الاصولية والإخبارية. رغم أنه كان متحدثا" كبيرا"، كان يهتم اهتمالا" خاصا" بالعلوم العقلية. يعتبر من الرجال الكبار حيث درس العلوم العقلية كالفلسفة ويعتبر من اساتذه هذه العلوم حيث أنه رغم ذلك كان يجد كل شئ فى مصدر وينبوع الوحى وقد كرس حياته وجهوده لنشر روايات المعصومين عليهم السلام.

إن حساسيته الوحيدة كانت تكمن فى الانحراف فى الدين. كان يرى فى زمانه انتشار الصوفية حيث بادر بمكافحتها بحزم فانتصر انتصارا" باهرا" فى هذا الاطار بالاستعانة بأهل البيت عليهم السلام.

لقب (العلامة)
لقد نال العلامة محمد باقر المجلسى هذا اللقب ذو الفخر من الشخصيات الكبيرة مثل وحيد بهبهانى والعلامة بحر العلوم والشيخ أعظم أنصارى. إن هؤلاء الكبار الذين يعدون بحراً" متلاطما" من العلوم والمعارف الاسلامية، حين وجدوا شأن ومنزلة العلامة المجلسى استعملوا هذا اللقب بحقه حيث أنه كان فى الواقع علامة زمانه.

شيخ الاسلام فى اصفهان
لقد تم تعيين العلامة المجلسى سنة 1098 بمنصب شيخ الاسلام فىاصفهان من قبل الشاه سليمان الصفوى. إن لقب شيخ الاسلام كان أعلى واهم منصب دينى وتنفيذى فى ذلك العصر. لقد كان قاضيا" وحاكما" فى النزاعات والدعاوى. ان كافة الشؤون الدينية كانت تتم تحت اشرافه المباشر و كانت جميع الأموال ترسل اليه.

كان شيخ الاسلام يتولى مسئولية أبناء السبيل واليتامى و ... ايضا". النقطة المهمة هنا هى أن العلامة قبل هذا المنصب بالحاح والتماس الشاه حيث إلتمس الشاه فى ذلك المجلس عدة مرات بلسانه لكى يوافق العلامة على هذا المنصب. إن العلامة كان يتولى هذه الوظيفة المهمة حتى نهايه حياته.

الأساتذة
مع أن لدينا معلومات وافية حول حياة العلامة المجلسى لكن مع الأسف ليست لدينا سوى معلومات قليلة حول أساتذته. طبعا" نحن نعرف مشايخ رواية العلامة، لكن لاندري من هم الذين تتلمذ العلامة على أيديهم.

بعض الأساتذة والمشايخ الذين نقلوا عن العلامة:

1- والده محمد تقى المجلسى (المتوفى 1070 هجرية) حيث كان استاذا" للعلامة فى العلوم النقلية.
2- المرحوم آقا حسين خوانسارى (المتوفى 1098 هجرية) ابن آقا جمال الذى كان استاذ العلامة فى العلوم العقلية. كان هذان استاذى العلامة، اما المشايخ:
3- مولا محمد صالح مازندرانى (المتوفى 1086 هجرية)
4- ملا محسن فيض كاشانى (المتوفى 1091 هجرية).
5- سيد على خان مدنى صاحب الشرح المعروف للصحيفة السجادية (المتوفى 1120 هجرية)
6- الشيخ الحر العاملى مؤلف كتاب وسائل الشيعة (المتوفى 1104 هجرية)


الجدير بالذكر أن هاتين الشخصيتين سبق وأن أعطيا الاجازة الى العلامة وايضاً" أخذا منه الاجازة، لذا يمكن اعتبارهما ضمن تلامذة العلامة ايضا".

التلامذة
إن أكثر من ألف طالب وتلميذ كانوا ينهلون من دروس العلامة المجلسى حيث كان العلامة يمنح تلامذته اجازات كثيرة ايضا".

بعض تلامذة العلامة:
1- السيد نعمت الله الجزائرى
2- جعفر بن عبدالله كمره اى اصفهانى
3- زين العابدين بن الشيخ الحر العاملى
4- سليمان بن عبدالله ما حوزى بحرانى
5- شيخ عبدالرزاق كيلانى
6- عبدالرضا كاشانى
7- محمد باقر بيا بانكى
8- ميرزا عبدالله افندى اصفهانى مؤلف رياض العلماء.
9- سيد على خان مدنى مؤلف رياض السالكين (شرح الصحيفة السجادية).
10- الشيخ الحر العاملى
11- ملا سيما، محمد بن اسماعيل فسايى شيرازى.
12- محمد بن حسن، فاضل هندى و ...



التأليفات
ان العلامة المجلسى كان يحظى بعمر مبارك جدا" حيث كتب اكثر من مئة كتاب باللغة الفارسية والعربية خلال 73 سنة من عمره و إن كتاب (بحار الأنوار) هو أحد العناوين فقط ويضم 110 مجلدات وكتاب آخر هو (مرآة العقول) يضم 26 مجلدا". وينسب اليه أيضا" 40 كتابا" ايضا". يعتبر كتاب الأوزان والمقادير او ميزان المقادير هو اول تأليف للعلامة حيث تم تأليفه سنة 1063. و آخر تأليفه هو كتاب (حق اليقين) فى سنة 1109 هجرية اي سنة قبل وفاته.

بعض كتب العلامة هى:
1- بحار الأنوار، وهى مجموعة كبيرة روائية تأريخية حيث تضم تفاسير كثير من آيات القرآن الكريم.
2- مرآة العقول، شرح الكافى ثقه الاسلام الكلينى فى 26 مجلد.
3- ملاذ الأخبار، شرح التهذيب للشيخ الطوسى فى 16 مجلد.
4- الفرائد الطريفة، شرح الصحيفة السجادية.
5- شرح الأربعين حديث، و هو افضل الكتب فى هذا المجال.
6- حق اليقين، حول الاعتقادات وكتب باللغة الفارسية. ان للعلامة كتب كلامية اخرى ايضا".
7- زاد المعاد، فى الًأعمال وادعية الشهور (باللغة الفارسية)
8- تحفة الزائّر، فى الزيارات (بالفارسية).
9- عين الحياة، فى المواعظ والحكم مستخرجة من الآيات و روايات المعصومين (ع) (بالفارسية).
10- صراط النجاة.
11- حلية المتقين، فى الآدب والمستحبات اليومية وطيلة الحياة (بالفارسية).
12- حياة القلوب، فى تأريخ الانبياء والائمة (ع) فى 3 مجلدات (بالفارسية)
13- مشكاة الأنوار، وهو ملخص حياة القلوب (بالفارسية).
14- جلاء العيون، فى تأريخ ومصائب اهل البيت (ع) (بالفارسية).
15- توقيعات امام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف مع الترجمة.
16- كـتب كثيرة كترجمة الاحاديث الخاصة مثل ترجمة التوحيد المفضل و ...
17- كتب فى موضوع ترجمة الادعية والزيارات مثل الزيارة الجامعة الكبيرة ودعاء السمات و ...
18- رسائل فقهية كثيرة وكتب فى مواضيع مختلفة مثل التفسير والرجال والتراجم و ... .


والملفت للنًظرأن أكثر تأليفات العلامة المجلسى هى باللغة الفارسية حيث يدل ذلك على اهتمامه لارشاد مجتمعه الناطق بالفارسية.

(مع أن الكتب الرئيسية والمصدرية كبحار الأنوار ومرآة العقول هى باللغة العربية).

الوفاة
لقد إنطفأت شمعة عمر العلامة المجلسى بعد أن اضاءت بغزارة 73 سنة وذلك فى ليلة 27 شهر رمضان سنة 1110 هجرية فى مدينة اصفهان و حرم العالم من منهل هذا العالم العزيز. إن العلامة حين توفى ترك اعمالا" لم تكتمل مثل بحارالانوار، مستدرك البحار و ... مع أن تلامذته والسائرين على دربه قدموا خدمات جليلة، لكن الفراغ الذى تركه هذا العالم الفاضل لايمكن أحد أو اي شٍئ أن يملأه..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق