الأربعاء، 2 مارس 2016

اسوة حسنة شباب اهل البيت عليهم السلام








اسوة حسنة  شباب اهل البيت عليهم السلام   



لماذا أخذ الحسين عليه السلام كل إخوته الى معركة الطف؟                

 لنعش وقبل كل شئ معاً شيئاً من أجواء واقعة الطف، فقد أخرج الحسين عليه السلام إخوته، ولم يكن فيهم شقيق له أبدا، وكانوا تسعة كلهم لأبيه، وقتلوا كلهم معه .
 والسؤال هنا : ما هذا ألإصرار من الحسين عليه السلام على إخراج هذه المجاميع من أهله مع علمه بأنهم سوف يقتلون، وقد أخبره النبي صلى ألله عليه وآله وسلم بذلك ؟ وهل إن هذا إنتحار جماعي ؟ إنه عليه السلام يعلم أن هؤلاء لن يغيروا في المعادلة شيئا، لأن عدد الجيش في الطف كان ثلاثين ألفا على أقل الروايات، وإلا فهناك روايات تقول : إنه كان سبعين الفا أو مئة ألف أو أكثر . فما هي دوافع الحسين عليه السلام لهذا ألإصرار على أن يقتل اهل بيته عن بكرة أبيهم ؟ هناك عدة اسباب منها :
 السبب ألأول : أنه عليه السلام اراد لجذوة التضحية الهاشمية ألا تنطفئ
 فالمعروف أن أكثر ألاسر تضحية لهذه الرسالة هم الهاشميون، وقد حمل التيار الهاشمي عبء الدعوة، وقدم لها القرابين والتضحيات . وقد أراد الحسين عليه السلام أن يبقى رافد التضحية فيهم مستمرا : «والحمل الثقيل أهله أحق بحمله» . كما أنه عليه السلام أراد لهذه الجذوة التي أشعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم الا تنطفئ .
 وقد لمّحت لهذا المعنى في قصيدتي التي قلتها في رثاء ضحايا مدينة قانا التي حدثت فيها مجزرة على يد اليهود . ونحن نعرف أن في مدينة قانا اولاد ابي ذر الغفاري، وهو يشكل رافدا من تيار علي بن أبي طالب عليه السلام، حيث قلت :
يا بنت جندب يا أعناق ما برحت
مع المُدى منذ ألف وهي تنتصب
تنشأت في وعاء داف تربته
أبو تراب الذي للصاعدات أب
توشحت بألإباء المر وإعتجرت
بالحق وإعتقدت هذا هو الغلب
كم سامها الضغط وألإغراء لوّح بالــ
ـنعمى فما لان يوما عودها الصلب
سجية من فرات الطف يحملها ألــ
ـثوار فهي على أخلافهم لقب

 إنه تيار التضحية والعطاء الذي تركه رسول ألله صلى ألله عليه وآله وسلم واهل بيته عليهم السلام، واراد الحسين عليه السلام أن يقول لغيره : لا تقولوا إن الحسين نحّى أولاده وأهل بيته عن الخطر والقتل وقدم غيرهم . إنني سوف أقدم أهلي قبل غيرهم .
 وهذا عين ما لاحظناه في المباهلة، حيث اخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أغلى ما عنده من أهل بيته، وهم علي وفاطمة والحسنان عليهم السلام، فإن وقع مكروه وقع على هؤلاء .
 السبب الثاني : تضميخ هذه الجذوة بخصائص أهل البيت عليهم السلام 
 فالحسين عليه السلام أراد أن يقدم في التضحية نماذج فيها خصائص أهل البيت عليهم السلام . ونحن نعرف أن هناك من يقاتل بدافع الحمية ـ كأن يكون في موقف يستحي فيه أن يتراجع ـ فيموت، وهناك من يقاتل بظروف خارجية مفروضة عليه، أما أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم مندفعون بذاتهم، يقول العباس :
والله إن قطعتم يميني
إني أحامي أبدا عن ديني
وعن إمام صادق اليقين
نجل ألإمام الطاهر ألأمين(1)

 إنه عليه السلام يدافع عن دينه وعقيدته وفكرة ألإمامة المتجسدة في هذا الشخص الشريف . فأراد الحسين عليه السلام أن يقدم نموذجا واضحا يمثل خصائص الرسالة التي بُعث بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في دفع الظالم ومقاومة العدوان .
 السبب الثالث :البرهنة على أن ألإيمان يقهر الطبع والتطبع
 فالحال السائد في مجتمعاتنا أن ألأبناء غير ألاشقاء يكونون عادة غير منسجمين بشكل كامل مع بعضهم، أما الحسين عليه السلام فأراد بذلك أن يضرب هذه القاعدة التي إعتدنا عليها، ويوضح لنا أن هؤلاء إن تربوا على ألإيمان، وأُشركوا في حمل الرسالة وإنخرطوا في تيار موحّد، فإن كل العقبات ستتلاشى .
 وقد بلغت المودة والتلاحم بين أهل البيت عليهم السلام في الطف أشدها، وهذا دليل على أن ألإيمان يمكن أن يسيطر على التربية والغرائز وألأساسيات كلها .
 لقد أخرج الحسين عليه السلام يوم الطف تسعة من إخوته كلهم لعلي :
 أربعة لأم البنين (رضي ألله عنها )، وهم العباس، جعفر، عبدألله وابو بكر .
 وعمر ألأطرف وأمه الصهباء التغلبية، الذي تقول جملة من الروايات عنه : إنه قتل يوم الطف .
 ومحمد ألأصغر واخوه، وأمهما ليلى بنت مسعود الدارمية النهشلية التميمية .
 والثامن عون، وأمه أسماء بنت عميس الخثعمية .
 والتاسع محمدألأوسط، وأمه أُمامة بنت أبي العاص بن الربيع التي تزوجها أمير المؤمنين بعد وفاة الزهراء عليها السلام مباشرة بوصية منها (سلام ألله عليها )، فقد قالت له : «يا علي، لابد للرجال من النساء، فإن أردت أن تتزوج بعدي فعليك بإبنة أختي أمامة، فإنها تكون لولدي مثلي، ومع ذلك إجعل لها يوما وليلة وللحسنين يوما وليلة، ولا تصح في وجهيهما، ولا تنهرهما فإنهما يصبحان يتيمين منكسرين، بألأمس فقدا جدهما واليوم يفقدان أمهما » (2). وتزوجها فعلا فولدت له محمدا ألأوسط الذي قتل مع الحسين عليه السلام .
 لكن هؤلاء لم يأخذ مصرعهم أثرا منه يوم الطف كما أخذ العباس عليه السلام ذلك ألأثر منه في مصرعه، ويقول المؤرخون : لما سقط العباس بان ألإنكسار في وجه الحسين عليه السلام (3). ولما سقط صريعا وقف عليه الحسين عليه السلام، ولم يكن العباس يرى، لأن إحدى عينيه جمد عليها الدم، وألأخرى نبت بها السهم ولا يد عنده فيمسح بها الدم عن وجهه، فأحس فأحس بالحسين عليه السلام وهو في لحظاته الأخيرة فقال للحسين عليه السلام : إدنُ مني أُقبّلك وأشمك . فوضع فمه على فمه وراح يقبله إلى أن فاضت روحه الطاهرة ، ورحم ألله السيد جعفرا إذ يقول :
قد رام يلثمه فلم ير موضعا
لم يدمه حر السلاح فيلثم
أأُخي يهنيك النعيم ولم أخل
ترضى بأن أشقى وأنت منعم



ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) شرح ألأخبار 3 : 192 ، مناقب آل أبي طالب 3 : 256 ، ينابيع المودة 3 : 68 .
(2) معاني ألأخبار : 356 / 1 ، السقيفة وفدك : 147 ، شرح ألأخبار 2 : 160 / 492 .
(3) شجرة طوبى 2 : 299 ، فقال عليه السلام : «ألآن إنكسر ظهري ».

المصدر:المرأة في ألإسلام ـ من محاضرات الدكتور الشيخ أحمد الوائلي - اعداد مصطفى آل مرهون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق